وأعتقد أن هذه الشخصيات التي عاشت في الرواية موجودة ليس فقط في أوزبكستان، بل في مصر أيضا، وما زالت على قيد الحياة. والأهم من ذلك أن الكرامة والحب والاحترام الأوزبكي المعترف بها في الكتاب هي أيضًا من سمات الشعب المصري. وطالما كانت هذه الصفات موجودة، فقد عاش هذان الشعبان وسيعيشان كجارين روحيين.
الأدب في جوهره فن لا يختار أمة ولا مكانا ولا زمانا، ويثقف العقل والتفكير الإنساني.
ونعتقد أنه إذا كانت رواية "الأيام الخوالي" يمكن أن تقدم مساهمة بسيطة في قلوب قراء الشعب المصري، فإننا على يقين من أن روح قادري ستكون سعيدة وأنه ينعم في حياته الأخرى.
حفيد الكاتب – خاندمير قادري .
كلمة المؤلف
إننا وقد دخلنا حقبة جديدة، فلا شك يتحتم علينا في أعمالنا كلها أن نلتزم الروح التقدمية للعصر الذي نعيش فيه. وهو التوجه الذي يعني، بالطبع، ظهور ملاحم وروايات وقصص جديدة ومبتكرة. إن الشعور بواجب الكتابة يولد فينا رغبة في أن نصنع لشعوبنا وأزمنتنا ملاحم على غرار: "طاهر وزهرة"، و"الدراويش الأربعة"، و"فرهاد وشيرين"، و"بهرامكور">(>1>).
إن رواية "الأيام الخوالي" التي أعتزم كتابتها ما هي إلا محاولة صغيرة، أو بالأحرى، هوس للإبداع على طريق اكتشاف فن الرواية المعاصرة. وكما نعلم، فإن كل عمل جديد في مراحله الأولى لا يخلو من أخطاء ونواقص، تُصَحح باكتساب الخبرة والمهارات، ثم يبدأ العمل تدريجيًا في التطور ليصل إلى شكله النهائي. ولما اطمأن قلبي إلى ذلك شجعني شغفي فتجرأت، ولم أخشَ الأخطاء والنواقص التي كانت تختبئ وراء رغبتي وهوسي.
يقال: "إن من رجاحة العقل أن يعود المرء إلى الماضي ليتخذه نبراسًا للمستقبل". وانطلاقًا من هذا، قررت أن أكرس موضوع الرواية للماضي؛ لتلك الأيام التي خلت منذ زمن ليس ببعيد، ولتلك الأيام التي هي أسوأ وأحلك أيام تاريخ بلادنا؛ "عصر الخانات الأخيرة".
عبد الله قادري (جولقون باي)، 1926
الفصل الأول
1. أتابك بن يوسف بك حَاجِّي
كان اليوم السابع عشر من أيام شهر الدلو>(>2>) الباردة من العام 1264 للهجرة، وقد غربت الشمس وترددت في الأرجاء أصوات الآذان لصلاة المغرب.
كان خان>(>3>) مدينة مرغلان الشهير، بأبوابه المطلة على الجهة الجنوبية الشرقية يمتلئ بالتجار القادمين من طشقند، وسمرقند، وبخارى. وكانت غرفه جميعها باستثناء واحدة أو اثنتين تزدحم بالمسافرين، الذين كانوا يأوون إليه بعد قضاء النهار كله في مباشرة أعمالهم. وكان كثير منهم منشغل بإعداد طعام العشاء، وهكذا يصبح الخان الذي كان ساكنًا في ساعات النهار مفعمًا بالحركة والنشاط، والأحاديث الصاخبة التي لا تنقطع، وأصوات القهقهة العالية التي تحدث ضجيجًا شديدًا يفوق كل تصور، حتى إنه ليبدو أن سقف المبنى يكاد يطير في السماء بفعل هذه الأصوات.