كان الجميع ينصتون باهتمام كبير إلى أتابك، وقد أدهشتهم أفكاره التي لم يسمع بها أحد من قبل. حتى رجال تركستان الحاليين الذين لم يكن يراودهم حتى في أحلامهم أن يهتموا لأمر الناس، لم يستطيعوا أن يبقوا غير مبالين أمام هذه الكلمات المثيرة التي تنبع من قلب أتابك النقي الصادق.
قال قوتيدار: لو كان لدينا حاكم مثل أمير عمر خان>(>12>)، لكنا تفوقنا على الروس.
وأضاف ضياء شاهيجي: نحن المسئولون عن الوضع الحالي المؤسف.
رد أكرم حاجي مؤيدًا: هذا صحيح.
أراد حامد ألا يتخلف عن الآخرين فأضاف: إن الله تعالى أعطى الكافرين المال والثروة.
فقال أتابك: في رأيي إن تفوق الروس يكمن في وحدتهم وتضامنهم. إن صراعنا الداخلي الذي يبدو بلا نهاية هو السبب في تخلفنا يومًا بعد يوم. بعبارة أخرى، تبدو لي أفكار عمي ضياء شاهيجي المبجل صحيحة في البعض منها. لا يوجد بيننا أشخاص صالحون يدركون بوضوح خطورة الوضع الراهن، بل على العكس من ذلك، هناك من يفسد السلام ويخلق الصراعات، وبسببهم تتغلغل جذور الفتنة، وتنتشر في كل مكان، وتتشابك وتدفع الناس إلى مستنقع مليء بالكوارث.
ومثال على هذا ذلك العداء القائم بين قاره تشوبان والقبجاق>(>13>). فكّروا معي، ما الفائدة والمنفعة التي قد تعود علينا نحن وعلى إخواننا القبجاق من جراء هذا الصراع؟ لا يفيد منها إلا المحرضون الذين يزرعون بذور الكراهية بين الشعبين. على سبيل المثال، هل يمكن اعتبار "مسلمان قل" شخصًا نزيها وغير متحيز؟ وماذا جلب إلى شعبه سوى إراقة الدماء؟ بسبب دوافعه وضغائنه الشخصية قام، بناءً على حجج واهية، بقتل صهره "شير علي خان">(>14>)، وأعدم نفسًا بريئة "مراد خان"، وتخلص من والي طشقند "سليم ساق بك"، الذي كان وديعًا مسالمًا مثل الحمل، ووضع طاغية مثل عزيز بك على رأس السلطة مكانه. ثم بعد ذلك، وبعد أن نصب نفسه الوزير الأول، أعلن ذلك الفتى الأرعن "خدايار" خانًا، وجثم هو فوق رقاب العباد. أما كان خيرًا لو أن "مسلمان قل" سعى إلى هدف أسمى، وقضى على الطغاة ومنح الناس حياة طيبة هادئة، أكان أحد ليعارض ذلك؟ لكنه بدلًا من ذلك رفع إلى السلطة عزيز بك المستبد الجائر الذي لم ير مثله في تاريخ طشقند كله.
من الصعب أن أصدق أن وحشًا مثل "مسلمان قل" قد أنجبته أم من بني البشر، وحتى يُقضى على هؤلاء الطغاة الذين استولوا على السلطة لمصالحهم الخاصة ويضطهدون الشعب بلا رحمة، فلا مفر لنا ولا مخرج إلا بالتخلص منهم، وأن نستبدل بهم رجالًا يسعون إلى العدل والخير.
واصل أتابك شرح أفكاره المبتكرة، التي لم يسمع بها أحد من قبل، وقد جلس الحضور جميعهم يحدقون فيه في دهشة فاغرين أفواههم. في الواقع كانت آراء أتابك حول أسباب الصراعات المستمرة وعواقبها صحيحة. وقد بدا أن استنتاجاته ساعدت الحاضرين على استيضاح مشاعرهم حول هذا الأمر عندما عبر علنًا عما يدور في خواطرهم ولم يجرؤوا يومًا على التعبير عنه بصوت عالٍ.