3. البِك العاشق
كان خان المسافرين يغط في نوم عميق مع حلول منتصف الليل. قام حسن علي بفتح القفل اللولبي الطويل الموضوع على باب الحجرة، ودخل ثم أشعل شمعة، وبعد أن رتب السرير للبك وقف ينتظره. إلا أن أتابك لم يدخل. فقد كان في ذلك الوقت يقف بالخارج كما لو كان متجمدًا في مكانه. وقف متكئًا على العمود، وكأنه لا يعرف أن باب الحجرة قد فتح وأن الشمعة قد أضيئت، وأن الفراش جاهز.
– لقد أعددت لك الفراش، يا سيدي.
بعد هذه الكلمات دخل أتابك الحجرة وجلس بجانب السرير. كان حسن علي ينتظر أن يبدل البك ملابسه ويستلقي، لأنه أراد أن يأخذ الشمعة إلى الحجرة المجاورة. لكن أتابك ظل جالسًا على حافة السرير، وعقله غارق في الأفكار. كان حسن علي قد لاحظ أن سلوك أتابك قد طرأ عليه تغير خلال الأيام القليلة الماضية. وقد أثار سلوكه الغريب هذا على مدار الأيام الخمسة أو الستة الماضية الدهشة والحيرة لدى حسن علي. في الواقع، لم يكن أتابك الآن هو نفسه الذي يعرفه، فقد أصبح شارد الذهن، غير مكترث بالعمل.
تفحص حسن علي البك لبعض الوقت، إلا أنه كلما طالت مدة بقاء أتابك في أسر الفكر، كان صبر حسن علي يوشك على النفاد.
– "هل هناك ما يكلفني به سيدي؟"
بدا أن أتابك كان يصغي، ولكنه لم يستوعب السؤال، لأنه حينما رفع عينيه نظر إلى حسن علي وثبت ناظريه على نقطة واحدة، مما زاد من قلق حسن علي عليه. ولم يكن يعرف كيف يفسر شرود ذهن سيده. أخيرًا، انتفض أتابك كمن أفاق من النوم، ونظر إلى خادمه وقال:
– لماذا لا تذهب للنوم؟
– هل هناك ما يكلفني به سيدي؟
– ماذا عساي أن أطلب منك الآن؟ يمكنك الذهاب، وخذ معك الشمعة أيضًا.
أخذ حسن علي الشمعة وذهب إلى حجرته، التي كانت مجاورة لحجرة سيده، وكانت مكدسة بالأقمشة والأحذية والبضائع الأخرى. كان هذا بالضبط هو سبب وجود حسن علي هنا في هذه الحجرة من أجل حماية بضاعتهم. أخذ حسن علي يرتب فراشه وهو يقول في نفسه: "توبة."
كما قلنا من قبل فقد لاحظ حسن علي التغيرات التي طرأت على أتابك منذ حوالي أسبوع أو عشرة أيام، لكن قلقه عليه الآن تخطى كل حد. دفعته حالة سيده تلك إلى التفكير في أشياء مختلفة لعله يهتدي إلى سبب يفسرها. جلس الرجل العجوز على سريره وأخذ يداعب لحيته الرمادية وقد استغرق في أفكاره: أتراه قد وقع في مشكلة متعلقة بتجارته، أم أنه يعاني مشكلة صحية، لقد كان يأكل على مضض وبلا شهية في منزل ضياء شاهيجي، هذا هو السبب، ربما أصيب بمرض في هذه الأرض الغريبة.
إلا أن الشيخ العجوز لم يقتنع بأي من هذه التخمينات، لأنه كان على علم بحالة التجارة، وإذا كان سيده مريضًا فإنه كان سيشتكي بالتأكيد. وظل هكذا غارقًا في أفكاره وتخميناته وافتراضاته لفترة طويلة، لم يهده تفكيره إلى شيء، فقام وأطفأ الشمعة، فغرقت الحجرة في ظلام دامس. تلمس الرجل العجوز طريقه نحو الباب، ثم، محاولًا ألا يصدر صوتًا، فتحه وتسلل إلى الخارج بحذر، وأخذ يتلفت حوله. عندما اطمأن أنه لا يوجد أحد في المكان سار بخطوات هادئة، واقترب من حجرة أتابك، ثم توقف ونظر حوله في الفناء مرة أخرى. كان الظلام يسود المكان، وقد غط الجميع في نوم هادئ، كان يتخلله مع ذلك أصوات الخيول التي تجتر التبن في إسطبلاتها، وصياح الديكة في الجوار تتقاطع مع بعضها بعضًا. مال حسن علي بهدوء على باب حجرة أتابك لعله يسمع شيئًا. كان الصمت يسود الغرفة، ولا شيء فيها يدعو للقلق. بعد أن انتظر هنيهة، قرر حسن علي النهوض من مكانه، عندما سمع تنهيدة ثقيلة من الداخل. انتفض من مكانه، وقد لمع في عينيه وميض قلق لا ينطفئ.